فصل: تفسير الآية رقم (87):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (80):

{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)}
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ} عمل الدرع وهو في الأصل اللباس قال:
البِسْ لَكُل حَالَة لَبُوسهَا ** إِمَّا نعيمها وَإِمَا بُوسها

قيل كانت صفائح فحلقها وسردها. {لَكُمْ} متعلق بعلم أو صفة {للبوس} {لِتُحْصِنَكُمْ مّن بَأْسِكُمْ} بدل منه بدل الاشتمال بإعادة الجار، والضمير لداود عليه الصلاة والسلام أو {للبوس} وفي قراءة ابن عامر وحفص بالتاء للصنعة أو لل {بوس} على تأويل الدرع وفي قراءة أبي بكر ورويس بالنون لله عز وجل {بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شاكرون} ذلك أمر أخرجه في صورة الاستفهام للمبالغة والتقريع.

.تفسير الآية رقم (81):

{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)}
{ولسليمان} وسخرنا له ولعل اللام فيه دون الأول لأن الخارق فيه عائد إلى سليمان نافع له، وفي الأول أمر يظهر في الجبال والطير مع داود وبالإِضافة إليه. {الريح عَاصِفَةً} شديدة الهبوب من حيث إنها تبعد بكرسيه في مدة يسيرة كما قال تعالى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} وكانت رخاء في نفسها طيبة. وقيل كانت رخاء تارة وعاصفة أخرى حسب إرادته. {تَجْرِى بِأَمْرِهِ} بمشيئته حال ثانية أو بدل من الأولى أو حال من ضميرها. {إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا} إلى الشام رواحاً بعدما سارت به منه بكرة. {وَكُنَّا بِكُلِّ شَئ عالمين} فنجريه على ما تقتضيه الحكمة.

.تفسير الآية رقم (82):

{وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)}
{وَمِنَ الشياطين مَن يَغُوصُونَ لَهُ} في البحار ويخرجون نفائسها، {وَمِنْ} عطف على {الريح} أو مبتدأ خبره ما قبله وهي نكرة موصوفة. {وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلك} ويتجاوزون ذلك إلى أعمال أخر كبناء المدن والقصور واختراع الصنائع الغريبة كقوله تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن محاريب وتماثيل} {وَكُنَّا لَهُمْ حافظين} أن يزيغوا عن أمره أو يفسدوا على ما هو مقتضى جبلتهم.

.تفسير الآية رقم (83):

{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)}
{وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِىَ الضر} بأني مسني الضر، وقرئ بالكسر على إضمار القول أو تضمين النداء معناه و{الضر} بالفتح شائع في كل ضرر، وبالضم خاص بما في النفس كمرض وهزال. {وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين} وصف ربه بغاية الرحمة بعدما ذكر نفسه بما يوجبها واكتفى بذلك عن عرض المطلوب لطفاً في السؤال، وكان رومياً من ولد عيص بن إسحاق استنبأه الله وكثر أهله وماله فابتلاه الله بهلاك أولاده بهدم بيت عليهم وذهاب أمواله، والمرض في بدنه ثماني عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو سبعاً وسبعة أشهر وسبع ساعات. روي أن امرأته ماخير بنت ميشا بن يوسف، أو رحمة بنت إفراثيم بن يوسف قالت له يوماً: لو دعوت الله فقال: كم كانت مدة الرخاء فقالت ثمانين سنة فقال: أستحيي من الله أن أدعوه وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي.

.تفسير الآية رقم (84):

{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)}
{فاستجبنا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ} بالشفاء من مرضه. {وَءَاتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ} بأن ولد له ضعف ما كان أو أحيي ولده وولد له منهم نوافل. {رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وذكرى للعابدين} رحمة على أيوب وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر فيثابوا كما أثيب، أو لرحمتنا للعابدين فإنا نذكرهم بالإِحسان ولا ننساهم.

.تفسير الآية رقم (85):

{وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)}
{وإسماعيل وَإِدْرِيسَ وَذَا الكفل} يعني إلياس، وقيل يوشع، وقيل زكريا سمي به لأنه كان ذا حظ من الله تعالى أو تكفل أمته أو له ضعف عمل أنبياء زمانه وثوابهم، والكفل يجيء بمعنى النصيب والكفالة والضعف. {كُلٌّ} كل هؤلاء. {مِّّنَ الصابرين} على مشاق التكاليف وشدائد النوب.

.تفسير الآية رقم (86):

{وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)}
{وأدخلناهم في رَحْمَتِنَا} يعني النبوة أو نعمة الآخرة. {إِنَّهُمْ مِّنَ الصالحين} الكاملين في الصلاح وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن صلاحهم معصوم عن كدر الفساد.

.تفسير الآية رقم (87):

{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)}
{وَذَا النون} وصاحب الحوت يونس بن متى {إِذ ذَّهَبَ مغاضبا} لقومه لما برم بطول دعوتهم وشدة شكيمتهم وتمادي إصرارهم مهاجراً عنهم، قبل أن يؤمر وقبل وعدهم بالعذاب فلم يأتهم لميعادهم بتوبتهم ولم يعرف الحال فظن أنه كذبهم وغضب من ذلك، وهو من بناء المغالبة للمبالغة أو لأنه أغضبهم بالمهاجرة لخوفهم لحوق العذاب عندها وقرئ: {مغضباً}. {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} لن نضيق عليه أو لن نقضي عليه بالعقوبة من القدر، ويعضده أنه قرئ مثقلاً أو لن نعمل فيه قدرتنا؛ وقيل هو تمثيل لحاله بحال من ظن أن لن نقدر عليه في مراغمته قومه من غير انتظار لأمرنا، أو خطرة شيطانية سبقت إلى وهمه فسميت ظناً للمبالغة. وقرئ بالياء وقرأ يعقوب على البناء للمفعول وقرئ به مثقلاً. {فنادى في الظلمات} في الظلمة الشديدة المتكاثفة أو ظلمات بطن الحوت والبحر والليل. {أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ} بأنه لا إله إلا أنت. {سبحانك} من أن يعجزك شيء. {إِنِّى كُنتُ مِنَ الظالمين} لنفسي بالمبادرة إلى المهاجرة. وعن النبي عليه الصلاة والسلام: «ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له».

.تفسير الآية رقم (88):

{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}
{فاستجبنا لَهُ ونجيناه مِنَ الغم} بأن قذفه الحوت إلى الساحل بعد أربع ساعات كان في بطنه. وقيل ثلاثة أيام والغم غم الالتقام وقيل غم الخطيئة. {وكذلك نُنْجِى المؤمنين} من غموم دعوا الله فيها بالإِخلاص وفي الإمام: {نجي} ولذلك أخفى الجماعة النون الثانية فإنها تخفى مع حروف الغم، وقرأ ابن عامر وأبو بكر بتشديد الجيم على أن أصله {نُنَجّى} فحذفت النون الثانية كما حذفت التاء الثانية في {تظاهرون}، وهي وإن كانت فاء فحذفها أوقع من حذف حرف المضارعة التي لمعنى ولا يقدح فيه اختلاف حركتي النونين فإن الداعي إلى الحذف اجتماع المثلين مع تعذر الإِدغام وامتناع الحذف تتجافى لخوف اللبس. وقيل هو ماض مجهول أسند إلى ضمير المصدر وسكن آخره تخفيفاً ورد بأنه لا يسند إلى المصدر والمفعول مذكور والماضي لا يسكن آخره.

.تفسير الآية رقم (89):

{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)}
{وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِى فَرْداً} وحيداً بلا ولد يرثني. {وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين} فإن لم ترزقني من يرثني فلا أبالي به.

.تفسير الآية رقم (90):

{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)}
{فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} أي أصلحناها للولادة بعد عقرها أو ل {زَكَرِيَّا} بتحسين خلقها وكانت حردة. {إِنَّهُمْ} يعني المتوالدين أو المذكورين من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. {كَانُواْ يُسَارِعُونَ في الخيرات} يبادرون إلى أبواب الخير. {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} ذوي رغب ورهب، أو راغبين في الثواب راجين للإِجابة، أو في الطاعة وخائفين العقاب أو المعصية. {وَكَانُواْ لَنَا خاشعين} مخبتين أو دائبين الوجل، والمعنى أنهم نالوا من الله ما نالوا بهذه الخصال.

.تفسير الآية رقم (91):

{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)}
{والتى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} من الحلال والحرام يعني مريم. {فَنَفَخْنَا فِيهَا} أي عيسى عليه الصلاة والسلام فيها أي أحييناه في جوفها، وقيل فعلنا النفخ فيها. {مِن رُّوحِنَا} من الروح الذي هو بأمرنا وحده أو من جهة روحنا يعني جبريل عليه الصلاة والسلام. {وجعلناها وابنها} أي قصتهما أو حالهما ولذلك وحد قوله: {ءَايَةً للعالمين} فإن من تأمل حالهما تحقق كمال قدرة الصانع تعالى.

.تفسير الآية رقم (92):

{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)}
{إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ} أي إن ملة التوحيد والإِسلام ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها فكونوا عليها. {أُمَّةً وَاحِدَةً} غير مختلفة فيما بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا مشاركة لغيرها في صحة الاتباع. وقرئ: {أُمَتُكُمْ} بالنصب على البدل و{أُمَّةٌ} بالرفع على الخبر وقرئتا بالرفع عن أنهما خبران. {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ} لا إله لكم غيري. {فاعبدون} لا غير.

.تفسير الآية رقم (93):

{وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)}
{وَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} صرفه إلى الغيبة التفاتاً لينعى على الذين تفرقوا في الدين وجعلوا أمره قطعاً موزعة بقبيح فعلهم إلى غيرهم. {كُلٌّ} من الفرق المتحزبة. {إِلَيْنَا راجعون} فنجازيهم.

.تفسير الآية رقم (94):

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)}
{فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ} بالله ورسله. {فَلاَ كُفْرَانَ} فلا تضييع. {لِسَعْيِهِ} استعير لمنع الثواب كما استعير الشكر لإِعطائه ونفي الجنس للمبالغة. {وَإِنَّا لَهُ} لسعيه. {كاتبون} مثبتون في صحيفة عمله لا يضيع بوجه ما.

.تفسير الآية رقم (95):

{وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)}
{وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ} وممتنع على أهلها غير متصور منهم. وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي {وَحِرْمٌ} بكسر الحاء وإسكان الراء وقرئ: {حرم}. {أهلكناها} حكمنا بإهلاكها أو وجدناها هالكة. {أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} رجوعهم إلى التوبة أو الحياة ولا صلة، أو عدم رجوعهم للجزاء وهو مبتدأ خبره حرام أو فاعل له ساد مسد خبره أو دليل عليه وتقديره: توبتهم أو حياتهم أو عدم بعثهم، أو لأنهم {لاَ يَرْجِعُونَ} ولا ينيبون {وَحَرَامٌ} خبر محذوف أي وحرام عليها ذاك وهو المذكور في الآية المتقدمة ويؤيده القراءة بالكسر. وقيل: {حَرَامٌ} عزم وموجب عليهم {أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ}.

.تفسير الآية رقم (96):

{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)}
{حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} متعلق ب {حَرَامٌ} أو بمحذوف دل الكلام عليه، أو ب {لاَ يَرْجِعُونَ} أي يستمر الامتناع أو الهلاك أو عدم الرجوع إلى قيام الساعة وظهور أماراتها: وهو فتح سد يأجوج ومأجوج وهي حتى التي يحكى الكلام بعدها، والمحكي هي الجملة الشرطية. وقرأ ابن عامر ويعقوب {فُتِّحَتْ} بالتشدد. {وَهُمْ} يعني يأجوج ومأجوج أو الناس كلهم. {مِّنْ كُلِّ حَدْبٍ} نشز من الأرض، وقرئ جدث وهو القبر. {يَنسِلُونَ} يسرعون من نسلان الذئب وقرئ بضم السين.

.تفسير الآيات (97- 104):

{وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)}
{واقترب الوعد الحق} وهو القيامة. {فَإِذَا هي شاخصة أبصار الذين كَفَرُواْ} جواب الشرط و{إذا} للمفاجأة تسد مسد الفاء الجزائية كقوله تعالى: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} فإذا جاءت الفاء معها تظاهرتا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد، والضمير للقصة أو مبهم يفسره الأبصار. {يَا وَيْلَنَا} مقدر بالقول واقع موقع الحال من الموصول. {قَدْ كُنَّا في غَفْلَةٍ مّنْ هذا} لم نعلم أنه حق. {بَلْ كُنَّا ظالمين} لأنفسنا بالإِخلال بالنظر وعدم الاعتداد بالنذر.
{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} يحتمل الأوثان وإبليس وأعوانه لأنهم بطاعتهم لهم في حكم عبدتهم، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام لما تلا الآية على المشركين قال له ابن الزبعري: قد خصمتك ورب الكعبة أليس اليهود عبدوا عزيراً والنصارى عبدوا المسيح وبنو مليح عبدوا الملائكة، فقال صلى الله عليه وسلم: «بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك» فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} الآية. وعلى هذا يعم الخطاب ويكون {مَا} مؤولاً ب {مِنْ} أو بما يعمه، ويدل عليه ما روي أن ابن الزبعري قال: هذا شيء لآلهتنا خاصة أو لكل من عبد من دون الله فقال صلى الله عليه وسلم: «بل لكل من عبد من دون الله» ويكون قوله: {إِنَّ الذين} بياناً للتجوز أو للتخصيص فأخر عن الخطاب. {حَصَبُ جَهَنَّمَ} ما يرمي به إليها وتهيج به من حصبه يحصبه إذا رماه بالحصباء وقرئ بسكون الصاد وصفاً بالمصدر. {أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} استئناف أو بدل من {حَصَبُ جهنم} واللام معوضة من على للاختصاص والدلالة على أن ورودهم لأجلها.
{لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ ءََالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا} لأن المؤاخذ بالعذاب لا يكون إلهاً. {وَكُلٌّ فِيهَا خالدون} لا خلاص لهم عنها.
{لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ} أنين وتنفس شديد وهو من إضافة فعل البعض إلى الكل للتغلب إن أريد {مَا تَعْبُدُونَ} الأصنام. {وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ} من الهول وشدة العذاب. وقيل: {لاَ يَسْمَعُونَ} ما يسرهم.
{إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى} أي الخصلة الحسنى وهي السعادة أو التوفيق بالطاعة أو البشرى بالجنة. {أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} لأنهم يرفعون إلى أعلى عليين. روي أن علياً كرم الله وجهه خطب وقرأ هذه الآية ثم قال: أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وابن الجراح، ثم أقيمت الصلاة فقام يجر رداءه ويقول: {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} وهو بدل من {مُبْعَدُونَ} أو حال من ضميره سيق للمبالغة في إبعادهم عنها، والحسيس صوت يحس به. {وَهُمْ فِيمَا اشتهت أَنفُسُهُمْ خالدون} دائمون في غاية التنعم وتقديم الظرف للاختصاص والاهتمام به.
{لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} النفخة الأخيرة لقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ في الصور فَفَزِعَ مَنْ في السموات وَمَن في الأرض} أو الانصراف إلى النار أو حين يطبق على النار أو يذبح الموت. {وتتلقاهم الملئكة} تستقبلهم مهنئين لهم. {هذا يَوْمُكُم} يوم ثوابكم وهو مقدر بالقول. {الذى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} في الدنيا.
{يَوْمَ نَطْوِى السماء} مقدر باذكر أو ظرف ل {لاَ يَحْزُنُهُمُ}، أو {تتلقاهم} أو حال مقدرة من العائد المحذوف من {تُوعَدُونَ}، والمراد بالطي ضد النشر أو المحو من قولك اطو عني هذا الحديث، وذلك لأنها نشرت مظلة لبني آدم فإذا انتقلوا قوضت عنهم، وقرئ بالياء والبناء للمفعول. {كَطَىِّ السجل لِلْكِتَابِ} طياً كطي الطومار لأجل الكتابة أو لما يكتب أو كتب فيه، ويدل عليه قراءة حمزة والكسائي وحفص على الجمع أي للمعاني الكثيرة المكتوبة فيه. وقيل: {السجل} ملك يطوي كتب الأعمال إذا رفعت إليه أو كاتب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرئ: {السجل} كالدلو و{السجل} كالعتل وهما لغتان فيه. {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} أي نعيد ما خلقناه مبتدأ إعادة مثل بدئنا إياه في كونهما إيجاداً عن العدم، أو جمعاً بين الأجزاء المتبددة والمقصود بيان صحة الإِعادة بالقياس على الإِبداء لشمول الإِمكان الذاتي المصحح للمقدورية. وتناول القدرة القديمة لهما على السواء، و{ما} كافة أو مصدرية وأول مفعول ل {بَدَأْنَا} أو لفعل يفسره {نُّعِيدُهُ} أو موصولة والكاف متعلقة بمحذوف يفسره {نُّعِيدُهُ} أي نعيد مثل الذي بدأنا وأول خلق ظرف ل {بَدَأْنَا} أو حال من ضمير الموصول المحذوف. {وَعْداً} مقدر بفعله تأكيداً ل {نُّعِيدُهُ} أو منتصب به لأنه عدة بالإِعادة. {عَلَيْنَا} أي علينا إنجازه. {إِنَّا كُنَّا فاعلين} ذلك لا محالة.